في مشهد يفيض بالوطنية والاعتزاز بالانتماء، وفي لحظة تمازج فيها صوت التلميذ بنبض المدينة، شهدت مدينة ابن أحمد بإقليم سطات صباح اليوم حدثًا استثنائيًا صنعته مؤسسة اقرأ الخاصة، التي نظمت مسيرة تربوية ووطنية جابت شوارع المدينة احتفاءً بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة، وتعبيرًا عن تجدد العهد والولاء للوطن وللقضية الوطنية الأولى، قضية الصحراء المغربية.
انطلقت المسيرة في أجواء من النظام والحماس، حيث رفع تلامذة المؤسسة الأعلام الوطنية عالياً، ورددوا الشعارات الوطنية التي تمجد وحدة التراب المغربي، وتخلد ملاحم المسيرة الخضراء التي بصمت ذاكرة الأمة. أصوات الأطفال وهي تنشد “الصحراء مغربية” و“الله الوطن الملك” صدحت في أرجاء المدينة، لتعيد إلى الأذهان صوراً من ملحمة 6 نونبر 1975، يوم لبّى المغاربة نداء الملك الراحل الحسن الثاني، وساروا صفوفاً متراصة نحو الأقاليم الجنوبية حاملين المصحف والعلم.
المسيرة التي نظمتها مؤسسة اقرأ الخاصة لم تكن مجرد نشاط تربوي عابر، بل شكلت درساً حيّاً في المواطنة وغرس القيم الوطنية في نفوس الناشئة. شارك فيها المئات من التلاميذ بمختلف المستويات الدراسية، مرتدين الأقمصة الحمراء والخضراء، ومزينين وجوههم بألوان العلم المغربي، فيما زيّنت المؤسسة الشوارع المجاورة بالأعلام واللافتات التي تحمل رسائل الحب والوفاء للوطن وللملك.
ولم يقتصر الحضور على التلاميذ وأطر المؤسسة، بل عرف الحدث مشاركة وازنة لأولياء الأمور وعدد كبير من ساكنة المدينة الذين تفاعلوا بحرارة مع المبادرة، حيث خرج الأهالي إلى الأرصفة وصفقوا بحرارة لأبنائهم وهم يرددون الشعارات الوطنية في مشهد مؤثر جمع بين الأجيال. عيون الآباء كانت تلمع بالفخر وهم يرون أبناءهم يرفعون الراية الوطنية التي ورثوها عن أجدادهم الذين شاركوا في المسيرة الخضراء أو عاشوا تفاصيلها المجيدة قبل نصف قرن.
في حديث مع بعض الأطر التربوية بالمؤسسة، أكدوا أن هذه المبادرة تندرج ضمن البرنامج السنوي لأنشطة الحياة المدرسية التي تحرص مؤسسة اقرأ على تنظيمها، بهدف ترسيخ قيم المواطنة الصادقة والانتماء للوطن في وجدان التلميذ، وربط الماضي بالحاضر في سياق تربوي هادف. وأوضح أحد الأساتذة أن “المسيرة الخضراء ليست مجرد حدث تاريخي ندرّسه في الكتب، بل هي قيمة مستمرة، ودروس في التضامن والوحدة والعمل الجماعي، وهي ما نسعى إلى تجسيده اليوم من خلال هذه المسيرة الرمزية التي تعيد للأجيال الجديدة معنى الانخراط في القضايا الوطنية.”
وقد جاءت هذه المسيرة أيضًا في سياق القرار الأمني والسياسي الحاسم الذي أعاد التأكيد على مغربية الصحراء ودعم وحدة التراب الوطني، ما جعل المناسبة تحمل بعدًا مضاعفًا من الفخر والاعتزاز. الساكنة بدورها عبّرت عن تفاعل كبير مع الحدث، حيث أبدى المواطنون اعتزازهم بمثل هذه المبادرات التي تُخرج الوطنية من جدران المدارس إلى الفضاء العام، وتُظهر للعالم أن حب الوطن يسري في عروق المغاربة كبارًا وصغارًا.
ولأن للمناسبات الوطنية وقعًا خاصًا في مدينة ابن أحمد، فقد تحولت المسيرة إلى احتفال شعبي مصغر، رُفعت فيه صور جلالة الملك محمد السادس وأعلام المغرب في كل زاوية، وترددت الأهازيج الوطنية والزغاريد، في جو من الفرح الجماعي والاعتزاز بالموروث الوطني. الأطفال كانوا يهتفون بأصواتهم البريئة: “عاش الملك”، “المسيرة الخضراء مدرسة الوطنية”، و“من طنجة إلى الكويرة.. المغرب واحد”، بينما تعالت الزغاريد من نوافذ المنازل، فكان المشهد لوحة وطنية متكاملة، تتداخل فيها مشاعر الحب والولاء والإخلاص للوطن.
في لحظة مؤثرة خلال المسيرة، توقّف التلاميذ دقيقة ترحم على أرواح شهداء الوطن الذين بذلوا الغالي والنفيس دفاعاً عن الأرض والعرض، لتعلو بعدها الأناشيد الوطنية التي أداها تلامذة المؤسسة بصوت واحد، في انسجام يعكس روح الجماعة والوحدة التي تغرسها المؤسسة في نفوس متعلميها.
وقد لقيت هذه المبادرة استحسانًا واسعًا من قبل السلطات المحلية والفاعلين التربويين والمدنيين بالمدينة، الذين اعتبروا أن مؤسسة اقرأ الخاصة باتت نموذجًا في انفتاح المدرسة على محيطها، وإحياء الذاكرة الوطنية بأساليب تربوية حديثة وفاعلة. إذ لم تكتف المؤسسة بالتعليم الأكاديمي، بل جعلت من ترسيخ قيم الهوية الوطنية جزءًا لا يتجزأ من رسالتها التربوية.
أحد أولياء الأمور المشاركين في الحدث صرح قائلاً: “ما قامت به مؤسسة اقرأ هو مبادرة رائعة تُحيي فينا روح الوطنية من جديد. نحن فخورون بأبنائنا وبمدرستهم التي جعلتهم يدركون أن حب الوطن لا يكون بالكلام، بل بالفعل والمشاركة.”
المسيرة التي انطلقت من محيط المؤسسة وصولاً إلى ساحة المدينة، تحولت إلى لوحة جماعية من الأعلام والألوان والهتافات التي ملأت الشوارع بالحياة، وعكست التلاحم بين المدرسة والأسرة والمجتمع في سبيل الوطن. حتى التجار وأصحاب المحلات التجارية أوقفوا أعمالهم لدقائق لمشاهدة هذا المشهد المهيب، ملوحين بالأعلام ومرددين الشعارات مع الأطفال.
الحدث لم يخلُ من الإبداع الفني، حيث أدّى التلاميذ لوحات تعبيرية قصيرة وأهازيج أمازيغية وعربية تجسد مسيرة الأجداد نحو الجنوب، كما رفعوا لافتات تُخلّد مضامين الخطاب الملكي السامي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء لهذه السنة، مؤكدين أن الأجيال الصاعدة على وعي تام بالقضية الوطنية وبأهمية الدفاع عنها في كل المحافل.
وفي ختام هذا العرس الوطني، وجهت إدارة مؤسسة اقرأ الخاصة كلمة بالمناسبة، أكدت فيها أن هذه المسيرة هي عربون وفاء وتجديد للعهد بمواصلة حمل مشعل الوطنية الصادقة، والتربية على حب الوطن والاعتزاز بمقدساته وثوابته الراسخة. وجاء في البيان الختامي للمؤسسة:
“بمناسبة الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة، تتقدم مؤسسة اقرأ الخاصة بمدينة ابن أحمد بأسمى عبارات التهاني والتبريكات إلى مولانا أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، سائلة الله تعالى أن يحفظ جلالته بما حفظ به الذكر الحكيم، وأن يقر عينه بولي العهد المحبوب الأمير الجليل مولاي الحسن، ويشد أزره بصنوه السعيد الأمير مولاي رشيد، ويحفظ سائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة، ويديم على بلدنا نعمة الأمن والاستقرار والوحدة.”
هكذا ختمت المؤسسة يومها الوطني الكبير، وسط تصفيق الحاضرين ودموع الفخر التي ارتسمت على وجوه المشاركين، لتثبت مدينة ابن أحمد مرة أخرى أن الوطنية لا تُدرّس فقط في الكتب، بل تُعاش في الشوارع، وتُكتب بخطى الأطفال وهم يسيرون حاملين علم الوطن نحو المستقبل.
لقد كانت مسيرة مؤسسة اقرأ أكثر من مجرد حدث مدرسي، كانت رسالة إلى كل مغربي بأن روح المسيرة الخضراء لا تزال تسكن في القلوب، وأن جيل اليوم مستعد لمواصلة المسيرة نفسها ولكن بأسلحة جديدة: العلم، والمعرفة، والوعي، والإيمان بعدالة قضية الوطن.
تلك كانت صورة من مدينة ابن أحمد، حيث امتزجت أصوات الصغار بنبض الأرض، وحيث أعادت مؤسسة اقرأ الخاصة كتابة فصل جديد من حكاية وطن لا يشيخ ولا ينسى أبداً أن صحراءه مغربية إلى الأبد.






