إصلاح التعليم المغربي… من تحديث المناهج إلى استعادة روح الوطنية

بقلم – رقيق ميلود

لم تعد مسألة إصلاح منظومة التعليم في المغرب مجرد مطلب نخبوي أو موضوعاً موسمياً للنقاش العمومي، بل أصبحت ضرورة وطنية ملحّة، تفرضها تحولات الواقع وتحديات المستقبل، فوزارة التربية والتعليم اليوم مطالبة بإعادة هيكلة شاملة، تتجاوز البعد الإداري والتنظيمي، لتصل إلى جوهر و لب العملية التعليمية، أي المحتوى البيداغوجي والمناهج الدراسية التي تصنع وجدان الأجيال وتبني وعيها المجتمعي الخالص.

ولعل المتأمل في بعض الكتب المدرسية الوطنية يلحظ بوضوح فجوةً مقلقة بين مضمونها وبين مغرب الألفية الثالثة، مغربٍ يسعى إلى الريادة في مجالات التكنولوجيا والابتكار، ويواكب ثورة الذكاء الاصطناعي التي غيّرت مفهوم التعلم والعمل معاً و عليه فكيف لجيل يعيش في زمن الذكاء الاصطناعي أن يتغذى على نصوص تقليدية لا تثير فضوله ولا تحفّز قدراته الإبداعية والفكرية؟

لكن الأخطر من كل ذلك، هو الغياب شبه التام للبعد الوطني في كثير من المقررات الدراسية، وكأن الانتماء إلى الوطن لم يعد جزءاً من التربية، ولا حب الوطن قيمة يجب ترسيخها في عقول الناشئة منذ السنوات الأولى، فبينما تعمل بعض القوى الإقليمية والدولية على بث دعايات مغرضة وبروباغاندا تستهدف رموز الوحدة والسيادة الوطنية، يُفترض في المدرسة المغربية أن تكون الحصن الأول للتحصين الفكري والوجداني، واللقاح الحقيقي ضد تلك الخطابات الهدامة.

إن بناء جيل مؤمن بوطنه، معتز بتاريخه وهويته، لا يتم عبر الخطب ولا المناسبات، بل من خلال استراتيجية تعليمية متكاملة تُعيد للتربية على المواطنة مكانتها المركزية في المنظومة التعليمية.
حب الوطن لا يُدرّس كدرس عابر، بل يُغرس عبر القيم، والقصص، والأنشطة، والقدوة.

لقد آن الأوان لأن تضع وزارة التربية والتعليم ضمن أولوياتها مشروعاً وطنياً لإعادة صياغة المقررات والمضامين الدراسية بما يواكب روح العصر ويحافظ في الوقت نفسه على الثوابت الجامعة للأمة المغربية،فالتعليم ليس مجرد نقل للمعرفة، بل صناعة للوعي، وحماية للهوية، وتحصين للأجيال من كل بروباغاندا خارجية تسعى إلى تشويش الانتماء وتقزيم الإيمان بالوطن.

دعوة إلى الفعل

إن المدرسة المغربية ليست فقط فضاءً لتلقين العلوم، بل هي الورشة الكبرى لبناء المواطن الواعي، الغيور، والمحصن ضد كل أشكال التلاعب الفكري والإيديولوجي.
ومن هنا، فإن الرهان اليوم هو على إرادة الإصلاح الحقيقية التي تعيد الاعتبار للمعلم، وتحدّث المناهج، وتُعيد للهوية الوطنية مكانتها في كل صفحة من صفحات الكتب المدرسية.

فلا نهضة بدون تعليم قوي، ولا تعليم قوي بدون وطنية متجذرة.
وحين ننجح في زرع حب الوطن في قلب المتعلم منذ الصغر، نكون قد أسسنا لمغرب الغد… مغرب المعرفة والكرامة والسيادة…