بقلم : رشيد لمسلم (كاتب صحفي)
في عالم تتسارع فيه الأحداث وتشتد فيه رهانات الجغرافيا والسياسة، يختار المغرب أن يصنع تاريخه بثقة واتزان، مستندا إلى عمق حضارته وإلى تلاحم عرشه وشعبه.
فحين دعا صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى تخليد 31 أكتوبر عيدا وطنيا للوحدة الوطنية، لم يكن الأمر مجرد ترسيم لتاريخ جديد في الروزنامة الوطنية، بل كان تجديدا للعهد بين الوطن وأبنائه، وإعلانا عن دخول المغرب مرحلة جديدة من نضجه السياسي والدبلوماسي.
لقد تحول ملف الصحراء المغربية من قضية نزاع إلى قضية إجماع وتنمية وسيادة، وتحوّل المغرب من دولة تبحث عن الاعتراف إلى قوة إقليمية تصنع التوازنات.
غير أن هذا الانتصار الخارجي لا يكتمل إلا بتماسك الجبهة الداخلية، وتعزيز الثقة في المشروع الوطني، وتحصين المكتسبات عبر التنمية والعدالة الاجتماعية.
هكذا، يأتي عيد 31 أكتوبر ليكون أكثر من مجرد ذكرى… إنه موعد سنوي لتجديد الإيمان بمغرب موحد قوي، ملكا وشعبا، يسير بخطى ثابتة نحو المستقبل بثقة الدول التي تعرف من أين أتت، وإلى أين تريد أن تصل.
يشكل الإعلان الملكي باعتماد 31 أكتوبر من كل سنة عيدا وطنيا للوحدة الوطنية لحظة فارقة في التاريخ السياسي المغربي المعاصر، وفرصة لتجديد الوعي الجماعي بقيمة التلاحم بين العرش والشعب، في وقت يستعيد فيه المغرب مكانته الطبيعية كقوة إقليمية وفاعلة على الساحة الدولية، بفضل رؤيته الاستراتيجية ومواقفه المتوازنة.
الانتصار الدبلوماسي وترسيخ مغربية الصحراء
تأتي هذه الخطوة الملكية في سياق وطني ودولي متميز، بعد تأكيد مجلس الأمن الدولي على مغربية الصحراء وتجديد الثقة في مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الحل الواقعي والنهائي لهذا النزاع المفتعل.
وهو اعتراف أممي صريح بمشروعية الموقف المغربي وعدالة قضيته، وانتصار للدبلوماسية المغربية الهادئة التي يقودها جلالة الملك محمد السادس.
لقد أظهر المغرب للعالم أن القوة الدبلوماسية لا تكمن في المواجهة، بل في الصبر الاستراتيجي والبناء المؤسساتي.
ومن خلال سياسته الثابتة، استطاع أن يحول ملف الصحراء من قضية نزاع إقليمي إلى قضية تنمية واستثمار واستقرار، مقدما للعالم نموذجا في الحكامة والتدبير المسؤول للنزاعات.
المغرب.. من الدفاع إلى الريادة
اليوم، لم يعد المغرب فقط في موقع الدفاع عن وحدته الترابية، بل أصبح فاعلا رئيسيا في رسم ملامح التوازن الإقليمي في إفريقيا والعالم العربي.
فقد نجح في ترسيخ حضوره السياسي والدبلوماسي عبر شراكات استراتيجية متعددة، مستندا إلى شرعية تاريخية ومصداقية متزايدة داخل المنتظم الدولي.
إن إعلان 31 أكتوبر عيدا للوحدة الوطنية، يعكس وعيا ملكيا عميقا بأن الانتصار الخارجي لا يكتمل إلا بتماسك الجبهة الداخلية.
فالوحدة الترابية ليست شعارا سياسيا، بل منظومة قيمية واقتصادية واجتماعية متكاملة، تقتضي تعزيز مناعة الوطن في وجه كل التحديات.
تقوية الجبهة الداخلية.. رهان المستقبل
في ظل التحولات الجيوسياسية التي يشهدها العالم، يبرز التحدي الأكبر أمام المغرب في تحصين الجبهة الداخلية عبر الرفع من وتيرة التنمية الاقتصادية، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وتقوية منظومة التعليم والصحة والحماية الاجتماعية. فالوحدة الوطنية لا تُبنى فقط على الإجماع السياسي، بل أيضا على إحساس المواطن بعدالة توزيع الثروة وفرص الارتقاء الاجتماعي.
لقد عبر جلالة الملك محمد السادس في أكثر من مناسبة عن قناعته الراسخة بأن المعركة الحقيقية اليوم هي معركة التنمية، وأن كسب الرهان الاقتصادي والاجتماعي هو الضمانة الأقوى لاستدامة الوحدة الوطنية.
ومن هنا تأتي أهمية تفعيل النموذج التنموي الجديد بروح جماعية، وإشراك كل الفاعلين في بلورة مشروع وطني متجدد، يجعل من المواطن المغربي محور السياسات العمومية وأساس الأمن الاستراتيجي للدولة.
31 أكتوبر.. رمز لمغرب متجدد
إن تخليد 31 أكتوبر ليس مجرد احتفاء رمزي، بل هو تأكيد على استمرارية ملحمة ملك وشعب، واستحضار لمسار طويل من النضال والإصرار، من أجل مغرب موحد ومزدهر.
إنه يوم لتجديد العهد على حماية الوطن، وتعزيز الثقة في مؤسساته، والانخراط الإيجابي في المسار التنموي الذي يقوده جلالة الملك بخطى ثابتة نحو المستقبل.
وبينما تتجه أنظار العالم إلى المغرب كنموذج للاستقرار والإصلاح، فإن هذا العيد الوطني الجديد يُجسّد إرادة الأمة في التحول من الدفاع عن الوحدة الترابية إلى صناعة الوحدة التنموية، في تكامل بين القيادة الملكية الرشيدة، وقوة الشعب المغربي وإرادته في البناء والمواطنة.

