يواصل الشاعر الزجال المغربي العربي عيشان مسيرته الإبداعية المتألقة بإصدار جديد يربط بين الكلمة الأصيلة والأنغام العريقة، من خلال مجموعة من الأعمال الفنية التي تتضمن «سرابات» قصائد من نظمه، حملت عناوين: «غنج اللماح»، «تاج الريام»، «شارد العفى»، «سلطاني». وقد أداها بصوت دافئ وأداء شجي الفنان يوسف دهداه، رفقة جوق جمعية الورشان بمراكش، تحت رئاسة الفنان عبد الرحيم شادمي، الذي أشرف أيضًا على التوزيع الموسيقي بإبداع وحسّ فني رفيع.
ويمتد هذا التعاون الفني المتميز ليشمل أيضًا قصيدة جديدة بعنوان «قفطان مغرب الشمس»، وهي من نظم الشاعر العربي عيشان، أداءً للفنان يوسف دهداه، وتوزيعًا موسيقيًا للأستاذ عبد الرحيم شادمي، بمشاركة جوق جمعية عبد الله الشليح لهواة فن الملحون بمراكش.
ولقيت هذه الأعمال صدى طيبًا لدى جمهور الزجل والملحون، لما تحمله من أصالة فنية، وصدق شعري، وتجديد في أسلوب التلحين والإنشاد. كما حظي صوت الفنان يوسف دهداه بتنويه خاص من المتتبعين والنقاد، لما يتميز به من جمالية نغمية وأداء تعبيري راقٍ، يجسد روح الملحون المستمد من جوهر الهوية المغربية.
وشكّل شعر العربي عيشان، باستمرار، محور إشادة واسعة، إذ أثبت مرة أخرى أن الزجل المغربي قادر على مواكبة العصر دون أن يقطع مع التراث، من خلال لغة شعبية رشيقة، تنبض بالحكمة والعاطفة، وتحافظ في الآن ذاته على الإيقاع الملحوني الأصيل. فقد استطاع عيشان أن ينسج لنفسه مسارًا متميزًا في حقل الزجل، مستلهِمًا من معين التراث الشعبي العريق ومن روح فن الملحون الذي ظل عبر القرون خزانًا وجدانياً للذاكرة المغربية الجماعية.
فهو يعبّر عن وعي شعريّ يسعى إلى استعادة العلاقة الحميمة بين الكلمة والجمهور، بين القصيدة والوجدان الجمعي، في زمن تغلب عليه الفردانية والبرود التقني. إنه يكتب شعراً قريبًا من الناس، لكنه مشحون بدلالات رمزية وفكرية عميقة تلامس قضايا الهوية والكرامة والإنسان.
يدرك الشاعر عيشان أن الزجل المغربي ليس مجرّد كلام منظوم، بل هو امتداد حيّ لفن الملحون الذي حفظ للمغاربة لغتهم وصورهم الإبداعية. لذلك، يُعيد بعفوية ووعي وصل الكلمة بالذاكرة، مستحضرًا المقامات والتعابير الموروثة والأنغام المتداولة في حلقات السماع الشعبي. لكن هذا التفاعل مع التراث لا يعني التكرار أو الحنين فقط، بل هو حوار خلاق بين الأصالة والمعاصرة؛ إذ يعيد عيشان صياغة الموروث بلغة اليوم، ويُطعّمه بنَفَسٍ تأملي يجعل القصيدة الزجلية قادرة على التعبير عن قلق الإنسان المعاصر وتطلعاته للصفاء الروحي.
وفي هذا الصدد، يمتاز شعر العربي عيشان بنبضه الإنساني ودفئه العاطفي. فقصيدته لا تكتفي بالوجد والغزل، بل تتحول إلى نداء للحب والنقاء والتسامح، وإلى موقف إنساني نبيل ضد الاغتراب المادي والروحي. إنها تعكس ذات الشاعر في مرآة تبحث عن المعنى وسط صخب العالم، ما يجعل من الزجل عنده فنًا جامعًا بين الغناء والحكمة، بين الجمال والمعنى.
عودًا على بدء، يمثّل العربي عيشان نموذجًا للزجال المغربي الذي يجمع بين الوفاء للتقاليد الفنية والجرأة في التجديد. أما جديده الفني، المشترك مع الفنان يوسف دهداه والفنان عبد الرحيم شادمي، فيؤكد أن الزجل والملحون لا يزالان ينبضان بالحياة والإبداع، وأن الشعر المغربي قادر على مخاطبة الوجدان بلغة العاطفة والصدق والجمال.

