جون بولتون… من دبلوماسي سابق إلى “متحدث رسمي” باسم البروباغندا الجزائرية

بقلم: رقيق ميلود

في الزمن الذي أصبحت فيه بعض الأقلام الأمريكية “تُستأجر” لمعارك دعائية بأموال الغاز والنفط، خرج علينا مجددًا “المستشار السابق للأمن القومي” جون بولتون، بمقال لا يمت بصلة لا إلى التحليل السياسي الرصين، ولا إلى المسؤولية الدبلوماسية التي يُفترض أنه يحمل إرثها ،بل بدا المقال الأخير الذي نشره بمثابة إعلان دعائي مدفوع الثمن، يُردده بلهجة منمّقة، لكنه مملوء بالتضليل والانتقائية والافتراء على الحقائق التاريخية والسياسية حول الصحراء المغربية.

  • جون بولتون… في مهمة مدفوعة لصالح دعاية فقدت مصداقيتها

من تابع مسيرة بولتون، يدرك تمامًا أنه لم يكن يومًا صديقًا للمقاربات التوافقية ولا للعدالة الدولية ، بل كان دائمًا من دعاة “القبضة الحديدية”، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها،إلا أن تحوله إلى أداة في ماكينة اللوبي الجزائري، يطرح أكثر من سؤال حول دوافعه، والأطراف التي تموّل وتدفع وتوجّه.

فالجزائر، التي أنفقت منذ أكثر من أربعة عقود مليارات الدولارات على ملف انفصالي عبثي، تسعى اليوم إلى إحياء دعاية ميتة من خلال أقلام متقاعدة تبحث عن أدوار جديدة في سوق التأثير والضغط.

  • الصحراء مغربية… بحكم التاريخ، والشرعية، والواقع الميداني

يتحدث بولتون عن الصحراء كما لو كانت “مستعمرة قائمة بحد ذاتها”، متجاهلًا عمدًا أن محكمة العدل الدولية، في رأيها الاستشاري سنة 1975، أقرت بوجود روابط تاريخية وسياسية و شرعية بين القبائل الصحراوية وملوك المغرب، ما يفند ادعاء “الاستعمار المغربي” المزعوم.

بل إن بولتون لم يذكر أن إسبانيا، عند انسحابها، وقّعت اتفاقية مدريد مع المغرب وموريتانيا، ولم تُسلّم أي “شعب” ولا “أرض” لما يسمى البوليساريو،بل إن هذه الأخيرة لم تكن سوى أداة ابتكرها النظام الجزائري من رحم الحرب الباردة لخدمة طموحاته الإقليمية على حساب وحدة دول الجوار.

  • من يرفض الاستفتاء حقًا؟ ومن يحتجز الصحراويين؟

يتهم بولتون المغرب بـ”عرقلة” الاستفتاء، وهو اتهام مكرر فقد قيمته منذ أن أسقطت الأمم المتحدة خيار الاستفتاء من قرارات مجلس الأمن منذ 2004، لأنه ببساطة لم يعد قابلًا للتنفيذ بسبب الخلاف على من له الحق في التصويت، ورفض الجزائر لأي إحصاء أممي شفاف للاجئين في تندوف.

أين كان بولتون حين رفضت الجزائر السماح للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بإحصاء سكان المخيمات؟ لماذا لا يتحدث عن رفض البوليساريو لأي انتخابات ديمقراطية داخل المخيمات؟ وعن الانتهاكات الحقوقية التي توثقها تقارير منظمات دولية، حيث يُمنع الناس من مغادرة المخيمات أو التعبير عن رفضهم للانفصال؟

  • مبادرة الحكم الذاتي… الحل الواقعي الوحيد

يتجاهل بولتون بشكل فجّ أن المغرب قدم سنة 2007 مبادرة الحكم الذاتي، التي وصفتها دول كبرى بأنها “جادة وذات مصداقية”.
المبادرة تقترح حلاً متقدماً يحفظ كرامة السكان المحليين، ويضمن لهم التسيير الذاتي ضمن السيادة المغربية، ويفتح باب المصالحة والتنمية والاستقرار وهذا ما تدعمه أغلب الدول في مجلس الأمن اليوم، فهل نسي بولتون أن الولايات المتحدة نفسها اعترفت بسيادة المغرب على صحرائه في ديسمبر 2020؟ أم أنه يحاول قلب السياق لصالح أجندة تمولها الجزائر بوفرة؟

  • الدعاية الإيرانية؟ أم الواقع الإيراني داخل تندوف؟

يستنكر بولتون الإشارة إلى النفوذ الإيراني داخل البوليساريو، في حين أن المغرب قدّم أدلة واضحة تثبت تورط عناصر من حزب الله في تدريب وتسليح مقاتلين انفصاليين عبر الجزائر.
هذه ليست مزاعم بل ملفات أمنية اطلعت عليها عواصم كبرى. فكيف يسمح رجل “أمني” مثل بولتون لنفسه بنفي معلومات أكدتها أجهزة استخبارات بلده و استخبارات دول عظمى ؟
هل هذا إنكار أم تضليل متعمد؟

  • الجزائر تغير خطابها لكنها لا تغير هدفها

يروج بولتون لفكرة أن الجزائر بصدد “إعادة تموقعها” عبر اتفاقيات عسكرية مع الولايات المتحدة، وأنها “تسعى لتحالفات جديدة”، وكأن ذلك يُكسبها شرعية التدخل في ملف لا يخصها قانونيًا.
لكن الحقيقة أن الجزائر لم تغير شيئًا في جوهر موقفها: دعم كيان وهمي مسلح، ورفض أي حل سياسي واقعي، وإنفاق المال العام على الحملات الدعائية العدائية والمرتزقة.

بل إن الجزائر لم تجرؤ حتى اليوم على الجلوس إلى طاولة المفاوضات كطرف رئيسي، رغم أنها الراعي الأول، والممول الأول، و المعرقل الأول لأي تسوية.

  • من يدافع عن الانفصال لا يدافع عن السلام

جون بولتون اليوم لا يكتب كدبلوماسي، بل كأجير سياسي لمصالح خارجية فقدت كل رصيد أخلاقي في الملف المفتعل والمغرب، بقيادته الرشيدة، وثوابته الوطنية، وانفتاحه على العالم، لا يرد على الأكاذيب بالشتائم، بل بالوقائع والشرعية والتاريخ.

الصحراء مغربية، شاء جون بولتون أم أبى.