
اعداد – هند السباعي الإدريسي
“لم أكن أتصور أن زوجي الذي أحببته وقاطعت عائلتي التي عارضت زواجي منه، سيتغير بهذه السرعة ولم يمر على زواجنا سوى سنة وبضع أيام” تقول نادية، وهي إمرأة شابة تزوجت عن قصة حب،بصوت يملأه الحزن والندم: “لقد تفاجأت خلال الحجر الصحي بمعاملته السيئة تمثلت في السب والقذف وكل أنواع الإهانة، والتي ظهرت مباشرة بعد أن أخبرته أن الشركة التي كنت أعمل بها في منصب مهم قد أعلنت إفلاسها وبالتالي أصبحت بدون عمل ولا دخل مالي”.
عنف نفسي و اقتصادي
حسب دراسات وتقارير لمنظمات المجتمع المدنيفي المغرب فقد ارتفعت نسبة العنف ضد النساء خلال فترة الحجر الصحي الممتدة 20 مارس/ آذار إلى 10 يونيو/حزيران و الذي فرضه مرض فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).

في تقرير، تم التوصل به من طرف فدرالية رابطة حقوق النساء، عرض الاحصائيات المرتبطة بظاهرة العنف ضد النساء والفتيات في فترة الحجر الصحي وذلك خلال الفترة الممتدة بن 16 مارس و 10يوليوز 2020. وضعت شبكة الرابطة انجاد ضد عنف النوع رهن إشارة النساء منصة للاستماع، بلغ عدد الاتصالات 1184 اتصالا هاتفيا للتصريح بالعنف من 685 امرأة عبر مختلف مناطق المملكة المغربية. وقد عرفت هاته الاتصالات تزايدا مطردا طيلة مدة الحجر الصحي.

من خلال تحليل المعطيات والأرقام، أوضح تقرير فيدرالية رابطة حقوق النساء، أن العنف المبني على النوع قد ارتفع خلال فترة الحجر الصحي بنسبة كبيرة. أخذا في الاعتبار أن ظروف الحجر الصحي لم تتح لكل النساء والفتيات ضحايا العنف إمكانية التبليغ عنه والتصريح به.
تضيف نادية، والأسى يعلو ملامح وجهها الشاحب:”بدل أن يدعمني زوجي أخبرني مباشرة أنه لا يريد إمرأة تعيش عالة عليه، وأنه غير مستعد للاستمرار في هذا الزواج، لقد كانت صدمة نفسية قوية أثرت علي بشكل كبير خاصة أنني حامل في الشهور الأولى وتم تشخيص حالتي بأني مصابة بفقر الدم الحاد بسبب الحالة النفسية وسوء التغذية والظروف التي أمر بها. لقد رحل ما يسمى بزوجي لوجهة غير معروفة وتركني بعد ان تراكمت علي كل المصاريف من كراء وفواتير الماء والكهرباء حتى أن صاحب البيت طالبني بالإفراغ، ليس لدي مكان ألجأ إليه، ولا أستطيع الذهاب إلى بيت أهلي لأني خاصمتهم وقاطعتهم من أجل شخص لا يستحق. ولولا بعض الأصدقاء والجيران لما وجدت ما أسد به رمقي خلال الأيام السوداء التي مرت علي خلال الحجر الصحي”.

للإشارة فظاهرة العنف ضد النساء في المغرب ليست وليدة الحجر الصحي، فأرقام آخر تقرير أجرته المندوبية السامية للتخطيط حول العنف ضد النساء في ديسمبر/ كانون الأول سنة 2019 أظهرت نتائجه أنه من بين 13,4 مليون إمرأة تتراوح أعمارهن بين 15 و74 سنة أجري عليهن البحث، أنهأزيد من 7,6 مليون إمرأة تعرضن، لنوع واحد من العنف على الأقل وهى نسبة تمثل ما يقارب 57٪ من النساء. ويعتبر العنف النفسي من بين أكثر أنواع العنف ممارسة على المغربيات.
و لمواجهة ظاهرة العنف ضد النساء التي بدأت تعرف انتشارا مهما داخل المجتمع المغربي، فقد تم سن مشروع قانون رقم 103.13 لمناهضة العنف ضد النساء الذي دخل حيز التنفيذ سنة 2018 للحد من الظاهرة بعد مسار تشريعي حافل وطويل.
وفي هذا السياق طرحنا السؤال على المحامية والحقوقية الأستاذة فوزية المامون: الى أي مدى تم تطبيق و تنزيل هذا القانون في فترة الحجر الصحي للحد من المعاناة التي عرفتها النساء المعنفات؟ وضحت الأستاذة المومني ” في ظل هذه الأوضاع الاستثنائية لم يكن ممكنا تنزيل مقتضيات قانون 103.13 بحذافيرها ذلك انه من أهم مضامين هذا القانون هو إحداث هيئات وآليات للتكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف فالمادة 10 تتحدث عن إحداث خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف داخل المحاكم سواء الابتدائية أو الاستئنافية وكذا بالمصالح المكلفة بالصحة وبالشباب وبالمرأة وكذا للمديرية العامة للأمن الوطني والقيادة العليا للدرك الملكي. هذه الخلايا تتكلف بالاستقبال و الاستماع والدعم ومرافقة النساء ضحايا العنف.”
أما بخصوص ارتفاع حالات العنف كما جاء في عدد من التقارير الخاصة بمنظمات المجتمع المدني فعلقت الأستاذة المامون: “إذا اعتمدنا لغة الأرقام فرغم ما سجلته جمعيات المجتمع المدني من ارتفاع في عدد النساء المعنفات بسبب الوجود الدائم للنساءفي المنازل مع أفراد الأسرة، وفي ظل إغلاق مراكزالاستماع وخدمات مساعدة الضحايا. وصعوبة الوصول إلى العدالة بعد إغلاق المحاكم في وجه المواطنين، فإن عدد الشكايات المودعة أمام المحاكم انخفض بشكل ملحوظ فقد سجلت النيابات العامة بمحاكم المملكة خلال الفترة ما بين 20 مارس إلى 20 أبريل 2020 ما مجموعه 892 شكاية تتعلق بمختلف أنواع العنف ضد النِّساء (الجسدي والجنسي والاقتصادي والنفسي…). بينما تم تحريك الدعوى العمومية في 148 قضية فقط من هذا النّوع ويستفاد من ذلك أن عدد المتابعات من أجل العنف ضد النساء قد انخفض خلال الفترة المذكورة عشر مرات عن المعدل الشهري لهذا النوع من القضايا وهذا راجع بالأساس للتحديات القانونية، والهيكلية والمؤسسية التي واجهت النساء خلال هذه الفترة وحالت دون وصولهن للعدالة وتحقيق الحماية لهن و ذلك لإغلاق المحاكم أبوابها في وجه المواطنينبالإضافة لصعوبة الوصول لمصالح الأمن و الصحة.
عنف جنسي و جسدي
سميرة، شابة في عقدها الثاني تزوجت في سن صغير هروبا من قسوة زوج أمها لكنها صادفت زوجا أكثر قسوة تحكي بخجل وألم: “كان يعنفني جسديا وجنسيا ونفسيا، عندما كنت أخبر أمي كانت توصيني بالصبر لأن هذا عادي بين الزوجين.

لكن الأمر زاد عن حده في فترة الحجر الصحي ولم أعد أستطيع التحمل، زاد العنف وكاد يقتلني في أحدى المرات بعد أن توقف عن العمل ولم يعد يجد ثمن التي كان يتعاطاها، لم أعرف كيف أتصرف لا أملك هاتف حتى أتواصل مع أمي ولم أكن أستطيع الخروج من البيت خوفا من زوجي ولأني لا أتوفر على ورقة الخروج التي تمنحها الجهات الرسمية للتنقل بفترة الحجر والتي يتم منحها فقط لرب الأسرة في أغلب الأحيان”.
أكدت المحامية والحقوقية المامون: “بسبب فرض الحجر الصحي ازدادت العقبات أمام الإبلاغ عن العنف الذي تتعرض له النساء فاكتفاء خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف والنيابة العامة بنشر أرقام الهواتف والبريد الالكتروني يشكل بحد ذاته صعوبة حقيقية كبيرة تواجه النساء خصوصا أن أغلبهن أميات لا إلمام لهن باستعمال وسائل التواصل الرقمية، أضف إلى أن هذه الأرقام التي تم نشرها من طرف المحاكم لتتلقى الشكايات في غالب الأوقات لا ترد علما أنه لا يمكن مرافقة المشتكية والتنقل معها في ظل الحظر المفروض كل هذا جعل الوصول لآليات الانتصاف صعبة وليست في متناول جميع النساء مما زاد من مخاطر ارتفاع حالات العنف.
عنف إلكتروني
بثينة، إمرأة متزوجة في متوسط العمر تقول عن تجربتها مع العنف الإلكتروني “لقد بدأت القصة بعد أن أرسلت لي صديقة دعوة إلى الالتحاق بإحدى المجموعات النسائية الخاصة على منصة اجتماعية الكترونية، وبما أنه كان لدي وقت فراغ كبير بعد توقفي عن العمل خلال أيام الحجر الصحي بدأت أمضي الوقت بين المنصات الإجتماعية الإلكترونية رغم قلة معرفتي بالمجال الرقمي وهذا كان السبب الرئيسي في سقوطي بمشكل لا أعلم كيف سأخرج منه”.
وفي هذا الصدد، قالت بشرى عبدو، مديرة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، “العنف الرقمي شأنه شأن أشكال العنف الأخرى عرف ارتفاعا هائلا خلال فترة الحجر، مقارنة مع الفترات السابقة. إذتم تسجيل 35 حالة تم بالفعل الاستماع لها من مارس/آذار حتى مايو/أيار 2020، كما تم رصد 20 حالة أخرى لم تستطع التغلب على مخاوفها وفضلت الصمت “.
وتوضح عبدو ” بالنسبة لنا أسباب العنف هي الدوافع وراء إقدام المعتدي على فعل العنف وهي متعددة: الابتزاز الجنسي، الابتزاز المالي، الانتقام، التشهير، التحكم والسيطرة، الضغط من أجل التنازل عن الحقوق الشرعية كالنفقة، الحضانة، وقد يكون السبب هو التسلية لا غير. وهذا حال عدد من الاعتداءات التي لا تكون فيها أية علاقة بين المعتدي والضحية.

وتضيف بثينة بصوت خافت به نبرة حزن مختلط بخوف: ” لقد ارتكبت أخطاء عديدة أولها أني دخلت المجموعة النسائية ظنا مني أنه فعلا لا يوجد سوى النساء كل واحدة تحكي مشكلتها بدون وجود أي خطوط حمراء لتتلقى نصائح أو حلول من النساء الأخريات، لكن للأسف المجموعة مليئةبالمتلصصين والرجال، تكلمت على مشكل “حميمي”يخصني ويخص زوجي ظنا مني أنه بالفعل مكان آمن وستتم مساعدتي ولم أكن أعلم أني أرتكب خطأ ما زلت أدفع ثمنه. ومن شدة جهلي الرقمي كنت أكتب بحسابي الخاص بـ”فيسبوك” الذي يحتوي على إسمي الشخصي والعائلي ويوجد به صوري وصور زوجي وأبنائي وأصدقائي وبعض المعلومات الخاصة بي، مباشرة بعد أن كتبت عن مشكلتي بعدها بوقت قصير بدأت تصلني رسائل على الخاص بأنهم يعرفون زوجي وأنهم سيخبرونه بكل شيء بل سيعملون على فضحنا مع الجميع. المشكلة أن عائلتي معروفة جدا ولا أستطيع أن أخبر اي أحد ولا أي جهة لأني يمكن أن أفقد عملي وزواجي،ونفس الشيء زوجي عمله حساس ويمكن أن تتدمر سمعته وعمله، أعيش في رعب نفسي وخوف دائم لأن رسائل التهديد مازالت تصلني كل فترة بدون أن أعرف ماذا يريدون مني بالضبط، لكنني بدأت أفكر في طلب المساعدة شرط أن تتسم بالسرية وأنا أدرس الموضوع لأنني لم أعد أتحمل العيش في هذا الرعب”.
يعتبر العنف الإلكتروني وليد الانتشار الرقمي الذي أصبح يطوق حياة المجتمع المغربي في وقتنا الحاضر ومن بين المشاكل التي أصبحت واقعا يؤرق العديد من ضحاياه، يذكر أن المندوبية السامية للتخطيط سجلت أرقاما مهمة لارتفاع حالات العنف الرقمي ضد النساء في المغرب فما يقرب 1,5 مليون إمرأة تعرضت إلى العنف الرقمي سنة 2019.

تدابير استعجالية
أوضحت السيدة بشرى عبدو: “بعد الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية وضرورة ملازمة الحجر الصحي،أطلقت جمعية التحدي للمساواة والمواطنة مبادرة الاستماع عن بعد، على أن تكون الاتصالات من النساء خصوصا، لكن الواقع أثبت أن الاحتياج للمبادرة لم يكن يخضع للنوع بل أفرز أن الاحتياج للنساء والرجال على حد السواء، ويرجع هذا ربما لقلة المبادرات الهادفة للدعم، أو للتجاوب مع الأسئلة التي أنتجتها الوضعية الوبائية خصوصا مع الحد من الوصول إلى المعلومات عبر معظم المؤسسات المكلفة بذلك، وهذا جعل الجمعية تتلقى اتصالات مكثفة خلال هذه الفترة الممتدة بين 20 مارس/آذارو30 يونيو/حزيران 2020، حيث توصلنا بحوالي700 اتصال وهذا رقم مرتفع مقارنة من الأيام العادية فهي توازي الأرقام المسجلة على مدار السنة”.
يذكر أن وزارة التضامن والتنمية الإجتماعية والمساواة والأسرة المغربية و رئاسة النيابة العامة، بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني الجميع حاول تقديم تدابير استعجالية في ظروف استثنائية، تمثلت في إطلاق منصات استماع هاتفية وأخرى رقمية ورقم مجاني، بريد إلكتروني وتطبيقات هاتفية لتقديم المساعدة ومكافحة العنف ضد النساء في فترة الحجر الصحي الذي فرضه فيروس(كوفيد-19).
وبهذا الخصوص تقول المحامية والحقوقية فوزية المامون: “لقد اتخذت عدة تدابير استعجالية خلال هذه الفترة لضمان سهولة ولوج النساء ضحايا العنف إلى القضاء مثل وضع ارقام هواتف خاصة بالشكايات، التبليغ عن طريق الشكاية الإلكترونية، التبليغ عن طريق منصة “كلنا معك” للاتحاد الوطني لنساء المغرب على الرقم الهاتفي المجاني 8350،بالإضافة إلى التبليغ بالوسائل الكتابية التقليدية.هذه التدابير لم تكن كافية لحماية النساء المعنفات،ذلك أن وسائل العمل عن بعد أبانت عن عجزها عن تقديم المساعدة والدعم اللازمين للنساء المعنفات فصعوبة الوصول الى العدالة بسبب اغلاق المحاكم كذلك ضعف تدخل سواء الشرطة أو الدرك، زاد من مخاطر ظاهرة العنف ضد النساء. كذلك اكتفاء السلطات بمنح الرخص الاستثنائية للخروج لرب الأسرة (الزوج أو الأب) أضف إلى ذلك قلة وسائل النقل كل هذا انعكس سلبا على امكانية ولوج النساء ضحايا العنف لآليات الانتصاف لذا على الدولة إعادة النظر في بعض الاجراءات الاحترازية مع سن قانون خاص بذلك”.
أهم أسباب ارتفاع العنف ضد المغربيات بفترة الحجر الصحي
قم بكتابة اول تعليق