
بقلم – رقيق ميلود :
من يتابع الخطاب الرسمي الجزائري، خصوصاً عبر بيانات وزارة الخارجية، يلاحظ بوضوح ذلك التناقض الصارخ بين الشعارات المرفوعة والوقائع الميدانية،فالنظام العسكري الجزائري لا يملّ من الحديث عن “الشرعية الدولية” و”القانون الدولي”، لكنه في الواقع يمارس على الأرض عكس ما يعلنه، حتى باتت الهوة بين القول والفعل أعمق من أن تُخفى بخطاب دبلوماسي أو بمصطلحات قانونية رنانة.
القضية الأخيرة مع دولة مالي ليست سوى نموذج جديد لهذا المسار المتناقض،فحين قررت باماكو التوجه إلى محكمة العدل الدولية، لم يكن الأمر مجرد خطوة عابرة أو مناورة سياسية، بل كان صرخة سيادية تعكس معاناة طويلة مع تدخلات جزائرية موثقة، طالما غذّت الانقسام وأضعفت مؤسسات الدولة المالية.
هذه الحقيقة لم تعد خافية، إذ يعرفها الفاعلون الإقليميون كما تعرفها كل الدوائر الدولية.
وليس مالي وحدها من اكتوى بهذا التدخل؛ فالمشهد ذاته يتكرر في النيجر وليبيا وتونس، بل ويمتد إلى أبعد من فضاء الساحل والصحراء و كما حدث ايضا في سوريا.
حيثما وجدت أزمات، يظهر أثر خفي أو مباشر للنظام الجزائري، متجلياً في محاولات تقسيم، أو إذكاء نزاعات، أو تقويض مسارات بناء الدولة الوطنية ،إنها سياسة ممنهجة، تتغذى من عجز داخلي وتبحث عن تصريفه في محيط إقليمي هش.
المفارقة الكبرى أن النظام الجزائري يقدّم نفسه حامياً للقانون الدولي، في الوقت الذي لا يحترم فيه أبسط قواعد حسن الجوار، ولا يفسح أي مجال لحرية التعبير داخل حدوده ،فكيف لنظام صادر إرادة شعبه، وأغلق أبواب الحوار، وأغرق نفسه في سياسات استبدادية، أن يدّعي المشروعية الأخلاقية على الصعيد الدولي؟
إن خطوة مالي نحو محكمة العدل الدولية تمثل تحوّلاً مهماً، ليس فقط في مسارها السياسي، بل في كشف المستور وإخراج ما كان يُقال في الكواليس إلى العلن.
إنها إشارة إلى أن صبر الشعوب والدول على التدخلات لم يعد بلا نهاية، وأن من يزرع الفوضى لا بد أن يواجه الحقيقة في ساحات القانون والعدالة الدولية.
قد تستمر الدبلوماسية الجزائرية في إصدار بيانات النفي والإنكار، لكنها لا تستطيع إخفاء البصمات الواضحة التي تركتها تدخلاتها عبر السنين، فالتاريخ لا يرحم، والشعوب لا تنسى،وستظل الحقيقة ثابتة: عوض أن يكون النظام الجزائري جسراً للتعاون وبناء الاستقرار الإقليمي، اختار أن يكون مصدراً للفتن وتصدير الأزمات.
وما بين خطاب رسمي مزيّن بالشعارات، وواقع يفضح التناقضات، سيبقى السؤال مطروحاً: متى يدرك النظام الجزائري أن احترام سيادة الجيران وبناء الثقة هو الطريق الوحيد لكسب الشرعية، داخلياً وإقليمياً، بدلاً من الهروب إلى الأمام عبر إنكار لم يعد يقنع أحداً؟