بقلم – رقيق ميلود *
في عرف الدولة الحديثة، تُقاس القوة الحقيقية بمدى احترام المؤسسات، واستقلال القرار الوطني، ومدى اندماج الدولة في محيطها الإقليمي والدولي.
غير أن بعض الأنظمة، (إيران و الجزائر) اختارت عن وعي أن تسلك دربًا معاكسًا، قائمًا على تبني الميليشيات كأداة نفوذ، حتى لو كانت النتيجة تآكلًا داخليًا يصعب ترميمه.
1- إيران: دولة الميليشيات وصناعة السقوط الداخلي
منذ 1979، اختارت الجمهورية الإسلامية في إيران سياسة تصدير “الثورة”، لكنها في الحقيقة لم تصدر إلا الميليشيات والخراب. حيث مليارات الدولارات صُرفت على “حزب الله” في لبنان، و”الحوثيين” في اليمن، وميليشيات “الحشد الشعبي” في العراق، و”فاطميون” و”زينبيون” في سوريا وأفغانستان.
- لكن بأي ثمن؟
- اقتصادياً: حسب صندوق النقد الدولي، انكمش الاقتصاد الإيراني بأكثر من 9% في 2024، واستمرت الأزمة بسبب العقوبات الأميركية وتكاليف الحروب بالوكالة.
- اجتماعياً: تشهد إيران منذ 2017 موجات متصاعدة من الانتفاضات الداخلية، بدءاً من احتجاجات الفقر والبطالة، وصولاً إلى انتفاضة “المرأة، الحياة، الحرية” في 2024، التي كشفت هشاشة النظام ورفض الشارع للحكم القمعي.
- سياسياً: النظام يعيش عزلة دولية خانقة، وتصنيفه كراعٍ للإرهاب تسبب في تجميد أصوله وفرض عقوبات على قطاعاته الحيوية.
2- الجزائر: دعم مليشيات البوليساريو مقابل احتقان داخلي متفجر
الجزائر، التي تحاول إيهام الجميع على أنها “غير معنية” بنزاع الصحراء، تستمر في دعم جبهة البوليساريو سياسيًا وماليًا وعسكريًا، رغم افتقار هذا الكيان لأي شرعية قانونية أو دعم دولي حقيقي.
لكن الحقائق لا يمكن طمسها:
• اقتصادياً: رغم موارد الغاز والبترول، يعيش الاقتصاد الجزائري على حافة الإفلاس، مع ارتفاع الدين الخارجي وركود الاستثمارات الأجنبية وحسب البنك الدولي، بلغت نسبة البطالة بين الشباب نحو 42%، فيما تتدهور القدرة الشرائية للمواطنين بشكل غير مسبوق حيث اصبحت الطرابيش اليومية لشراء الحليب و السميد أو لاقتناء قنينة غاز في دولة منتجة للغاز !!
• اجتماعياً: ما بعد حراك 2019، دخلت الجزائر في دوامة قمع غير مسبوقة، واعتقالات طالت الصحافيين والنشطاء السياسيين، في وقت يتزايد فيه الغضب الشعبي من فشل السياسات الاجتماعية.
• ديبلوماسياً: اختارت الجزائر قطع علاقاتها مع المغرب ورفض وساطات دولية، و خلق نظامها عداوات و خلافات مع العديد من الدول الأخرى مما جعلها تظهر دولة منغلقة وعدوانية،كما أن احتضانها و دعمها لكيان انفصالي وضعها في مرمى الانتقادات الأممية، خصوصاً بعد توالي التقارير حول انتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تندوف.
3- الميليشيات : استثمار في الفوضى و الارهاب، لا في المستقبل
عندما تستثمر الدول في الميليشيات، فإنها لا تراهن على التنمية، بل على إطالة أمد الأزمات، أملاً في كسب أوراق تفاوضية زائفة.،لكنها في الحقيقة تحصد العزلة، الفقر، والتمرد الداخلي و هذا ما ينطبق على النظامين الجزائري و الإيراني.
العالم الحديث لم يعد يتسامح مع الأنظمة التي تخرق القانون الدولي وتُغذّي الانقسام و كل نظام جعل من دعم الميليشيات سياسة خارجية، كان مصيره الاحتراق من الداخل.
لا بقاء لدولة تعادي مواطنيها، ولا عزّ لنظام يبني مستقبله على ركام الآخرين
*فاعل سياسي و مهتم بشؤون الدبلوماسية الشعبية

